کد مطلب:280408 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:279

الدعوة و برامج التحریف
بدأ المسیح علیه السلام فی بث دعوته داخل الحی الیهودی، وعندما أظهر المعجزات التی أید الله تعالی بها دعوته كانوا یقولون:

فمن أین له هذه كلها [1] وآمن بیسوع كثیرون من الیهود عندما شاهدوا المعجزات [2] ولكن فرقة الفریسیین أصحاب التفسیر الشفهی. الذی یهدف إلی انتظار المسیح ابن داوود لیعید مملكة داوود، وقفوا من الدعوة ومعجزاتها فی موقف الصد عن سبیل الله، یذكر متی أن الفریسیین قالوا: إن المسیح لا یطرد الشیاطین إلا ببلعز بول رئیس الشیاطین [3] وأمام حركات الصد عن سبیل الله. یذكر متی: أن المسیح



[ صفحه 142]



بدأ یوبخ المدن التی جرت فیها أكثر معجزاته. لكون أهلها لم یتوبوا [4] وبدأ الیهود یتحدثون بالعقائد التی دونوها علی امتداد مسیرتهم وأظهروا تقالید شیوخهم. فقال لهم المسیح: أنتم بهذا تلغون ما أوصی به الله محافظة علی تقالیدكم. أیها المراؤون. أحسن أشعیا إذ تنبأ عنكم فقال: هذا شعب یكرمنی بشفتیه أما قلبه فبعید عنی جدا، إنما باطلا یعبدوننی وهم یعلمون تعالیم لیست إلا وصایا الناس [5] وبدأ علماء الشریعة یدلون بدلوهم للصد عن دعوة المسیح علیه السلام، فقال لهم:

الویل أیضا لكم یا علماء الشریعة. فإنكم تحملون الناس أحمالا مرهقة وأنتم لا تمسونها بإصبع من أصابعكم، الویل لكم. فإنكم تبنون قبور الأنبیاء وآباؤكم قتلوهم. فأنتم إذن تشهدون موافقین علی أعمال آبائكم، فهم قتلوا الأنبیاء. وأنتم تبنون قبورهم، لهذا السبب أیضا قالت حكمة الله. سأرسل إلیهم أنبیاء ورسلا فیقتلون منهم ویضطهدون، حتی أن دماء جمیع الأنبیاء المكفولة منذ تأسیس العالم. یطالب بها هذا الجیل.

من دم هابیل إلی دم زكریا الذی قتل بین المذبح والمحراب، أقول لكم. نعم إن تلك الدماء یطالب بها هذا الجیل، الویل لكم یا علماء الشریعة، فإنكم خطفتم مفتاح المعرفة، فلا أنتم دخلتم ولا تركتم الداخلین یدخلون [6] وإذا كان المسیح قد الحق الجیل الذی لم یشاهد الأحداث. بالجیل الذی شارك فی الأحداث وسفك فیها دماء الأنبیاء.

فإن النبی الخاتم قی قال إذا عملت الخطیئة فی الأرض. كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضیها كان كمن شهدها. [7] وقال لا تقتل نفسا ظلما إلا كان علی ابن آدم الأول كفل



[ صفحه 143]



من دمها لأنه أول من سن القتل [8] وقال تعالی فی كتابه الكریم: (من أجل ذلك كتبنا علی بنی إسرائیل أنه من قتل نفسا بغیر نفس أو فسادا فی الأرض فكأنما قتل الناس جمیعا ومن أحیاها فكأنما أحیا الناس جمیعا). [9] .

كما بدأوا فی طرح ثقافة أنهم الأحق بمیراث إبراهیم. لأنهم أولاد إبراهیم، وكان یوحنا المعمدان قد رد قولهم من قبل وقال یا أولاد الأفاعی من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتی، فأثمروا ثمرا یلیق بالتوبة ولا تغللوا أنفسكم قائلین: لنا إبراهیم أبا. فإنی أقول لكم: إن الله قادر أن یطلع من هذه الحجارة أولاد إبراهیم. [10] ومن قبل یوحنا رد حزقیال علیهم قولهم وقال قال الرب: إن الساكنین فی هذه الخرب فی أرض إسرائیل یتكلمون قائلین: إن إبراهیم كان واحدا وقد ورث الأرض. ونحن كثیرون لنا أعطیت الأرض میراثا، لذلك قل لهم: هكذا قال السید الرب. تأكلون بالدم وترفعون أعینكم إلی أصنامكم وتسفكون الدم. أفترثون الأرض؟ [11] وفی عهد المسیح بدؤا بالصد عن سبیل الله بهذه الثقافة، یذكر یوحنا أن المسیح قال لمن آمن به من الیهود إن ثبتم فی كلمتی كنتم حقا تلامیذی. وتعرفون الحق والحق یحرركم، فرد الیهود: نحن أحفاد إبراهیم ولم نكن عبیدا لأحد. كیف تقول لنا إنكم ستصیرون أحرارا [12] فالقوم لیسوا فی حاجة إلی الثبات علی الإیمان الذی یعرفهم الحق ویحررهم من صدأ المادة وبریق الأهواء، واكتفوا بالوقوف فی أروقة آبائهم الذین تاجروا بثیاب إبراهیم، وذكر یوحنا أن



[ صفحه 144]



المسیح قال لهم (أنا أعرف إنكم أحفاد إبراهیم. ولكنكم تسعون إلی قتلی. لأن كلمتی لا تجد لها مكانا فی قلوبكم وقال لو كنتم أولاد إبراهیم لعملتم أعمال إبراهیم وقال لهم لماذا لا تفهمون كلامی؟

لأنكم لا تطیقون سماع كلمتی. أنتم أولاد أبیكم إبلیس وشهوات أبیكم ترغبون فی أن تعملوا، فهو من البدء كان قاتلا للناس، ولم یثبت فی الحق لأنه خال من الحق. لأنه كذاب وأبو الكذاب. [13] .

وواجه المسیح فرقة الكتبة وفرقة الفریسیین الذین یسهرون علی ثقافة شعب الله المختار الذی یرث إبراهیم من دون خلق الله، وفیهم یقول متی هنری فی تفسیره: كان الكتبة والفریسیین قساة.. لم یصروا علی دقائق الناموس ولم یكتفوا بالتشدید فی مراعاتها، بل أضافوا إلیه بعض الإضافات وفرضوا اختراعاتهم وتقالیدهم تحت أشد العقوبات، وتظاهروا كثیرا بالعظمة والرآسة وافتخروا بذلك أیما افتخار، وكانوا یحتلون المراكز الرئیسیة التی تقدم إلیهم علی أساس أنهم أعظم الناس وأفضلهم، وأحبوا أن یحییهم الناس عند التقائهم بهم فی الشوارع، ولقد سرهم جدا أن یشار إلیهم بالبنان ویقال: قفوا بعیدا هذا فریسی قادم. وأن یحیوا بهذا اللقب الرفیع سیدی. سیدی [14] وجاء فی إنجیل متی أن المسیح قال للكتبة والفریسیین الویل لكم أیها الكتبة والفریسیین المراؤون، فإنكم تنظفون الكاس و من الخارج، ولكنهما من الداخل ممتلئتان. مما كسبتم بالنهب والطمع الویل لكم.. فإنكم كالقبور المطلیة بالكلس تبدو جمیلة من الخارج. ولكنها من الداخل ممتلئة بعظام الموتی وكل نجاسة، كذلك أنتم أیضا تبدون للناس أبرار ولكنكم من الداخل ممتلؤون بالریاء والفسق [15] الویل لكم أیها الكتبة



[ صفحه 145]



والفریسیون المراؤون، فإنكم تبنون قبور الأنبیاء وتزینون مدافن الأبرار وتقولون: لو عشنا زمن آبائنا لما شاركناهم فی سفك دماء الأنبیاء، فبهذا تشهدون علی أنفسكم بأنكم أبناء قاتلی الأنبیاء. أیها الحیات أولاد الأفاعی كیف تفلتون من عقاب جهنم [16] الویل لكم أیها الكتبة والفریسیین المراؤون، فإنكم تغلقون ملكوت السماوات فی وجوه الناس فلا أنتم تدخلون ولا تدعون الداخلین یدخلون [17] الویل لكم.. فإنكم تطوفون البحر لتكسبوا متهودا واحدا. فإذا تهود جعلتموه أهلا لجهنم ضعف ما أنتم علیه [18] فمن هذه النصوص نتبین أن القوم شهدوا علی أنفسهم بأنهم أبناء قتلة الأنبیاء. وعلی الرغم من ذلك فأنهم یقفون تحت مظلة المیراث الذی كتبه الله للأنبیاء! ومن تحت هذه المظلة صدوا عن سبیل الله زمن المسیح علیه السلام، ووضعوا العراقیل فی وجه الدعوة الخاتمة التی تحمل شریعة ملكوت الله، ویقول متی هنری فی تفسیره: أغلقوا ملكوت السماوات. بتمسكهم بالناموس الطقسی وطمسهم النبوات.. وبتأثیرهم علی عقول الشعب لرفض تعالیم المسیح. لقد كانوا ألد الأعداء لتجدید النفوس وكانوا فی غایة النشاط لتضلیل النفوس. وانضمامها إلی زمرتهم. وكانوا یستخدمون كل حیلة.

ویكتبون ویتكلمون ویعملون بلا كلل أو ملل. ویجعلون الدخیل تلمیذا لهم یتشبع بآرائهم، وهكذا یصنعونه ابنا لجهنم. [19] .

وكانت فرقة الفریسیین أنشط الفرق فی الدعوة إلی ثقافة شعب الله المختار. وقد خصهم المسیح بقوله كما ذكر إنجیل لوقا الویل لكم أیها الفریسیین. فأنكم تحبون تصدر المقاعد الأولی فی المجامع وتلقی



[ صفحه 146]



التحیات فی الساحات العامة، الویل لكم، فإنكم تشبهون القبور المخفیة یمشی الناس علیها وهم لا یعلمون. [20] .

بالجملة: قال المسیح علیه السلام للیهود یا أولاد الأفاعی.

كیف تقدرون وأنتم أشرار أن تتكلموا كلاما صالحا، لأن الفم یتكلم بما یفیض به القلب، فالإنسان الصالح من الكنز الصالح فی قلبه یطلع ما هو صالح، والإنسان الشریر یطلع ما هو شریر [21] ولقد سجل القرآن الكریم قسوة قلوبهم فی مواضع عدیدة. منها قوله تعالی: (فبما نقضهم میثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسیة). [22] كما وصف المسیح رؤوس الفرق وأتباعهم بقوله فهم عمیان یقودون عمیانا وإذا كان الأعمی یقود أعمی یسقطان معا فی حفرة [23] وحذر تلامیذه من هذه الفرق ومن تعالیمهم التی وصفها بالخمیرة، وذلك عندما كانوا یسیرون معه ونسوا أن یتزودوا بالخبز، یقول متی فی إنجیله ولما وصل تلامیذه إلی الشاطئ الآخر كانوا قد نسوا أن یتزودوا خبزا فقال لهم المسیح:

انتبهوا خذوا حذركم من خمیر الفریسیین والصدوقیین، فبدأوا یحاجون بعضهم بعضا قائلین: هذا لأننا لم نتزود خبزا فقال لهم المسیح:

كیف لا تفهمون أنی لم أكن أعنی الخبز حین قلت لكم خذوا حذركم من خمیر الفریسیین والصدوقیین، عندئذ أدرك التلامیذ أنه لم یكن یحذرهم من خمیر الخبز بل من تعالیم الفریسیین والصدوقیین [24] یقول متی هنری فی تفسیره: أدرك التلامیذ أن المقصود بالخمیر تعالیم وطرق الفریسیین والصدوقین الفاسدة والسیئة. التی دبروا أن تكون قابلة



[ صفحه 147]



للانتشار فی عقول البشر كالخمیر، لقد كان أصحاب هذه الفرقة قادة للشعب. وقد ذاع صیتهم جدا بین الناس. الامر الذی جعل خطر عدواهم بأخطائهم أشد هولا، ونحن نستطیع القول: أننا فی عصرنا الحاضر یمكننا تشبیه موجة الكفر والإلحاد وتسلط روح المادیة بخمیر الصدوقیین، والبدع والهرطقات بخمیر الفریسیین. [25] .

ورغم هذه التحذیرات، انطلقت قافلة النصاری بعد ذلك وراء القدیس بولس. الذی یعود إلیه تأسیس المسیحیة الحاضرة التی تنادی بحق الیهود فی میراث إبراهیم بصفتهم شعب الله المختار، وبولس فی رسائله كان یقول إننی كنت فریسیا. أی تابعا للمذهب الأكثر تشددا فی دیانتنا [26] وسیأتی الحدیث عن ذلك فی موضعه.


[1] المصدر السابق 13 / 57.

[2] يوحنا 11 / 45.

[3] متي 12 / 24.

[4] المصدر السابق 11 / 20.

[5] متي 14 / 6 - 9.

[6] لوقا 11 / 46 - 52.

[7] رواه أبو داوود حديث رقم 4345.

[8] رواه مسلم ك القسامة ب إثم من سن القتل (الصحيح 107 / 5).

[9] سورة المائدة آية 32.

[10] متي 3 / 7 - 11.

[11] حزقيال 33 / 23 - 25.

[12] يوحنا 8 / 30 - 34.

[13] يوحنا 8 / 37 - 40.

[14] تفسير متي هنري 279 / 2 بتصرف.

[15] متي 23 / 25 - 28.

[16] المصدر السابق 23 / 29 - 23.

[17] المصدر السابق 23 / 13 - 14.

[18] المصدر السابق 23 / 15.

[19] متي هنري 287 / 2 بتصرف.

[20] لوقا 11 / 43.

[21] متي 12 / 33 - 36.

[22] سورة المائدة آية 13.

[23] متي 15 / 6.

[24] المصدر السابق 16 / 5 - 12.

[25] متي هنري 49 / 2.

[26] أعمال الرسل 26 / 5 - 7.